مركز الإمام الخوئي الاسلامي في باريس
تحتل فرنسا موقعا متميزا في العالم، كما أن باريس تعتبر من العواصم الأهم في أوروبا من الناحية السياسية والفكرية والثقافية ولها تأثير كبير على التحولات الثقافية في العالم فالكثير يعدونها النموذج الذي يحتذى به.
كذلك تعد فرنسا بوابة افريقيا فاكثر الدول الافريقية المسلمة مرتبطة بفرنسا لعدة جهات، منها عامل اللغة والثقافة والقوانين التي سنت في زمن الاستعمار الفرنسي، كما أن الارتباط والنفوذ السياسي الحالي والعلاقات الاقتصادية الكبيرة وبالخصوص تواجد رعايا هذه المستعمرات السابقة على الاراضي الفرنسية عمق هذا الارتباط. كما تجب الإشارة الى حقيقة أن فرنسا تحتضن اكبر جالية إسلامية في أوروبا، حيث تشير كثير من الإحصاءات غير الرسمية الى أن عدد المسلمين في فرنسا اليوم ربما يصل عشرة ملايين نسمة وهي نسبة كبيرة بالنسبة لعدد السكان الذي يقارب ٦٥ مليونا، وثلاثة ملايين من المسلمين يحملون الجنسية الفرنسية.
كما يجب الإشارة الى أهمية اللغة الفرنسية، فهذه اللغة هي الثانية من ناحية الأهمية والاعتبار عالميا بعد اللغة الانجليزية ويتحدث بها أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة في أكثر من ٣٠ دولة اوروبية وإفريقية وقسم من امريكا ولقد أهملت للأسف من قبل أغلب المؤسسات الدينية مع أنها تعتبر لغة المسلمين الأولى في أوروبا وذلك في عدة دول كفرنسا وبلجيكا وسويسرا وكذلك في القارة الأفريقية فهي اللغة الرسمية لحوالي ٢٠ دولة إفريقية ولغة المدارس والجامعات في عدة دول في غرب أفريقيا ولأهمية هذا الموضوع والرؤية الثاقبة للمرجع الراحل الإمام الخوئي (قدس الله نفسه الزكية) الذي كان يرى بعين الله ألح سماحته وأوصى في حياته المباركة بتأسيس فرع المؤسسة في باريس فكان ذلك في عام ١٩٩٢م.
وتلبية لهذه الرغبة ولضرورة وجود مركز اسلامي لاتباع اهل البيت (ع) في هذه البلاد والانفتاح على المسلمين وخدمتهم جميعاً وتعريفاً بمذهب عترة الرسول (ص) من اجل ذلك كله كانت اقامة هذا المركز الذي توجد به مدرسة ومسجداً وحسينية وهو منطلق وعي اسلامي عام يطمح الكثيرون الى أن يأخذ دوراً اكثر فاعلية. لقد تم شراء المبنى الحالي للمركز نهاية عام ١٩٩٢م. ومراعاة للقوانين الفرنسية، فقد اتجهت النية الى انشاء جمعية ثقافية اسلامية حسب قانون الجمعيات الفرنسي باسم جمعية مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية.
يتألف مبنى المركز من بناية مستقلة تقع في احدى ضواحي باريس الشرقية، حيث يشتمل الطابق الارضي من المركز على قاعة صلاة واجتماعات تسع مائة شخص اضافة الى مكاتب الادارة ومرافق صحية وباحة واسعة عند المدخل توضع فيها مجموعة من المطبوعات والكتب الاسلامية باللغتين العربية والفرنسية توزع مجاناً للراغبين. اما الطابق الثاني فيشمل المكتبة وقاعة الاستقبال وحديقة خلفية، ويتكون الطابق الثالث من اربع غرف ومرافق صحية، كما يشتمل الطابق الاخير على قاعة كبيرة للاجتماعات مع مرافقها الملحقة.
- تنظيم جلسات ثقافية مساء كل سبت بواقع مرتين في كل شهر، وتتضمن كل جلسة فقرتين، الاولى تتناول بالشرح والتوضيح مجموعة من المفاهيم قرآنية ، اما الجلسة الثانية فتتضمن محاضرة ثقافية في مواضيع متنوعة ، يعقب ذلك مناقشة مفتوحة في طرح الاسئلة من قبل الاخوة الحضور والاجابة عليها اضافة الى المداخلات المتنوعة.
- احياء الشعائر الاسلامية لا سيما المتعلقة بشهر رمضان المبارك أو شهري محرم الحرام وصفر الخير، أو مناسبات ميلاد الرسول الكريم (ص) أو الائمة الاطهار (ع) والاسراء والمعراج والمبعث النبوي. فعلى صعيد شهر رمضان المبارك تحيي المؤسسة ليالي هذا الشهر الكريم وليالي القدر والمناسبات التي تتخلله كولادة الإمام الحسن (ع) واستشهاد الإمام علي (ع) كذلك الاحتفال بعيد الغدير ووفاة السيدة الزهراء (ع). وتتضمن الجلسات عادة اضافة الى اقامة الصلاة والدعاء، محاضرات مركزة في علوم القرآن الكريم ودعوات افطار جماعية كما تقام في ايام الاعياد حفلة استقبال للعوائل توزع فيها الحلوى والهدايا الى الاطفال. وتقام هذه المجالس عادة باللغة الفرنسية والعربية والفارسية.
- تمارس الجمعية عملا ثقافيا بحثيا من خلال احتضانها مكتبة تضم عيون الكتب والمراجع والمصادر الاسلامية وباللغتين العربية والفرنسية وهي متوفرة خصوصا للباحثين والطلاب العاملين في مجال البحث الاسلامي أو غيره.
كان احد اهداف مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية تقديم خدمات انسانية للمسلمين حيثما وجدت الحاجة لذلك وحيثما وجد فرع أو مركز وهذا ما وضعناه نصب اعيننا.
- ظل المركز وعلى مدى سنوات طويلة يرسل تبرعات مالية لمساعدة ايتام العراق في الداخل، حيث تقوم الفكرة على اساس ايجاد كافلين محسنين لايتام عراقيين لقاء مبلغ شهري متواصل لكل يتيم. وقد وفرت المؤسسة رعاية ما يصل الى ١٠٠ يتيم ويتيمة. كذلك كان يتم ارسال مساعدات عينية أخرى الى العوائل الفقيرة في العراق.
- كذلك نظمت حملات أخرى لجمع الادوية والملابس وحليب الاطفال وارسالها الى المحتاجين وضحايا الكوارث الطبيعية في بعض البلدان الاسلامية، كما يتم تقديم العون المادي والمعنوي لعدد من الاخوة المحتاجين في فرنسا كذلك يتم الاهتمام باللاجئين الجدد وتسهيل معاملاتهم وتقديم المشورة والمساعدة لهم.
كما هو معلوم للجميع أن أساس كل عمل هو بناء الكوادر وتربية النخب العلمية والمثقفين والتي لها الدور الأكبر في تصحيح مسار المجتمعات وإصلاح الأمم. لهذا السبب، وعلاوة على استمرار بعقد المجلس الأسبوعي العربي ومدرسة الأطفال لتعليم القرآن الكريم باللغة العربية أيام السبت، قامت الجمعية منذ عام ٢٠٠٢م بإقامة دروس حوزوية ودورات تثقيفية مكثفة في الصيف خصوصا للشباب الجامعيين ، وتقام هذه الدروس لمستويات عدة في اوقات مختلفة.
- الدروس باللغة العربية يوم الاحد ثلاث ساعات (درس في النحو، درس في العقيدة ودرس في الفقه)
- الدروس باللغة الفرنسية عن بعد (العقائد، النحو، الفقه) اربعة ايام في الاسبوع.
- الدروس باللغة الفرنسية حضوريا يوم السبت (قواعد التجويد وقراءة القرآن، سير في احاديث النبي (ص)، درس في اللغة العربية).
- الدروس باللغة الفارسية طيلة الأسبوع (العقائد، الفقه، الأخلاق والنحو).
ولا يقتصر هذا العمل على اتباع شيعة آل البيت فحسب، بل أن هناك بعض الدورات التي تقام عند إخواننا من أهل السنة لتعريفهم بتراث أهل البيت عليهم السلام ويتم ذلك لبعض الأخوة الصوفيين والأفارقة القريبين من أهل البيت عليهم السلام وتتم زيارات متعددة لهم ولكبار علمائهم، فنحن اليوم أحوج ما نكون للتواصل مع إخواننا ونشر روح المحبة والأخوة فيما بيننا وتغذية وتقوية الاعتدال والوسطية والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
كما تقام نشاطات وبرامج أسبوعية في المركز كمجلس يوم الخميس الذي يتضمن موعظة وعزاء باللغة الفرنسية مع دعاء كميل، واقامة صلاة الجمعة باللغة العربية وتترجم الخطب إلى الفرنسية عبر الأجهزة بحضور واسع للمسلمين من الجاليات المختلفة المغاربية والإفريقية والعراقية والأفغانية واللبنانية والفرنسية وغيرهم.
كذلك يتم يوم مساء الجمعة تعليم القرآن الكريم ومجلس باللغة الفارسية للأفغان والإيرانيين ويجدر التأكيد على أهمية هذا النشاط باللغة الفارسية خصوصا للأخوة الأفغان فقد ازداد عدد هذه الجالية في السنوات الاخيرة بشكل كبير وخصوصا الشباب منهم وهم معرضون للذوبان في هذه المجتمعات وقد تنصر العديد منهم بسبب اهمالهم وعمل التبشريين المتواصل معهم.
لمكتب المؤسسة في باريس علاقات جيدة مع المراكز الاسلامية الموجودة في المنطقة الباريسية، مثل مركز الباكستانيين "شاه نجف" و"محفل زينب" الخوجة الاثنى عشرية ومركز "محمدية" وكذلك مع مسجد باريس الرئيسي، كما يحتفظ المركز بعلاقة جيدة مع فيدرالية مسلمي جنوب شرق آسيا (جزر القمر ومدغشقر) حيث اعتادوا الحضور الى المركز مرتين في الشهر لاقامة الصلاة وتعليم القرآن والاحتفالات الدينية. وهذا الانفتاح على اخواننا في الدين من ابناء المذاهب الاخرى يعكس افكار ومباديء وسيرة اهل البيت (ع) بشكل عملي وايجابي من خلال العلاقات الانسانية والروحية الطيبة.
كذلك يقوم مكتب المركز بالاتصال المستمر بالشخصيات السياسية والاعلامية والفكرية الفرنسية بهدف تعريفهم بفكر اهل البيت (ع) ومواقف الطائفة من الاحداث العالمية وما يخص الوضع الاسلامي العام من خلال ترجمة بيانات المؤسسة (الأمانة العامة) الى اللغة الفرنسية وبتوزيعها على البرلمانيين والصحفيين والمراكز الثقافية والاعلامية المهمة.
لقد استقبل المركز خلال السنوات القليلة الماضية عدداً كبيراً من الشخصيات العلمائية والثقافية الاسلامية ومن مختلف المذاهب وتم تهيئة لقاءات لهذه الشخصيات بأبناء الجالية والمعنيين بالشأن الاسلامي، كما استقبل علماء ورجال دين مسيحيين فرنسيين.
ما يميز الساحة الفرنسية عن غيرها من الساحات الاوروبية هو توجه عدد كبير من المسلمين نحو مذهب اهل البيت (ع) وكذلك تحول عدد كبير من الفرنسيين نحو الاسلام في العقدين الاخيرين من هذا القرن وهذا من شأنه أن يحمل المراكز الاسلامية مسؤولية كبيرة في رعاية واحتضان هؤلاء الاخوة ومدهم بالكتب والمطبوعات الاسلامية الهادفة باللغة العربية والفرنسية وزيارتهم في مدنهم. وقد قامت المؤسسة في هذا المجال بتوزيع الكتب باللغة الفرنسية، حيث تمت ترجمة كثير من الكتب والكراسات بالاضافة الى توزيع ما يصل من عدد من المؤسسات ودور النشر الاسلامية.
كذلك قامت المؤسسة بالاهتمام بالتبليغ والتعليم وتدريب المبلغين وتسجيل الدروس والمحاضرات ، باللغتين العربية والفرنسية وقد لاقى هذا الجهد المتواضع وبإمكانيات متواضعة ترحيبا واسعا في فرنسا والمناطق المختلفة التي قامت فيها هذه الفعاليات مؤخراً وخصوصا في المدن الفرنسية المختلفة وسويسرا وبلجيكا وكندا وإفريقيا كالكاميرون والسنغال وساحل العاج ومدغشقر ومناطق أخرى أقيمت فيها.
للمركز نشاطات اجتماعية متنوعة حيث تقام فيه حفلات الزواج والمجالس العائلية الخاصة، والقيام بزيارات المرضى في المستشفيات، ومساعدة المرضى الوافدين من الدول الاسلامية للعلاج في فرنسا واثناء هذه الزيارات يتم اهداء مصاحف وكتب اسلامية مترجمة الى مكتبات هذه المستشفيات. كما تم ارسال اعداد كبيرة من المصاحف والكتب الاسلامية الفرنسية لتوزيعها على السجناء المسلمين في السجون الفرنسية بالتعاون مع اتحاد النساء المسلمات في فرنسا.
لقد أصبح مركز الإمام الخوئي الاسلامي في باريس مميزا بخصوصية جمعها لكل الجاليات في باريس وضواحيها، كما انها معروفة بالنهج الوسطي والإعتدال في الطرح وتعريف الاسلام المحمدي الاصيل في وقت تحاول فيه بعض الجهات المحسوبة على الاسلام الاساءة اليه من خلال ممارسات متشددة بعيدة عن اصل الدين وروحه السمحة.